تفتتح الحكومة التركية الجمعة، الجسر المعلق الثالث في مدينة اسطنبول، الذي يصل القارتين الأوروبية بالآسيوية، في قلب المدينة التاريخية.
ويطلق على الجسر الجديد اسم "السلطان ياووز سليم" (سليم الأول)، ويعدّ أعرض جسر معلق في العالم، ويصل إلى 59 مترا.
ويأتي هذا الافتتاح ضمن سلسلة من المشاريع الكبرى التي عملت الحكومة على إنجازها في السنوات السابقة، وتقودها إلى أقوى الاقتصادات في العالم، بهدف احتلال مرتبة من بين أفضل 10 اقتصادات، مع حلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في عام 2023.
ومن الملفت للنظر، أن زائر مدينة اسطنبول، لا يدرك منذ البداية تعدد جسور المدينة المترامية الأطراف، ما بين القارتين الآسيوية والأوروبية، فيعتقد أن ما يربط شطري المدينة هو جسر واحد، إلا أن الافتتاح الجديد هو الثالث من نوعه، خلال 43 عاما.
ومنذ التاريخ القديم، كانت هناك أطروحات لعمل جسر يربط شطري المدينة، وفي مختلف العصور كانت هناك أفكار متنوعة، وحتى في التاريخ العثماني كانت هناك مساع لإنشاء الجسر، إلا أنها لم تكن تكلل بالنجاح، من بينهما مشروع لجسر تمر من فوقه سكة حديدية، ومع إعلان الجمهورية التركية عام 1923، عادت المساعي من الشركات الأوروبية لإنشاء جسر بين الضفتين، لكن جميعها لم تر النور.
وفي عام 1967، طلب من أربع شركات متخصصة عروضا لإنشاء الجسر، وحصل تحالف أربع شركات أوروبية على المناقصة، لتبدأ الأعمال في الجسر الأول في 20 شباط/ فبراير من العام 1970، وتنهي قرونا طويلة من استخدام القوارب والعبّارات فقط، في التنقل بين القارتين الأوروبية والآسيوية.
الجسر الأول (شهداء 15 تموز/ يوليو- البوسفور سابقا)
افتتح الجسر الأول مع مناسبة الذكرى 50 لتأسيس الجمهورية التركية، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1973، وعند الافتتاح، كان يعدّ رابع أطول جسر في العالم، وحاليا يحتل المرتبة 21 عالميا، بحسب المعطيات المتوفرة.
وعرف باسم جسر "البوسفور"، إلى أنه تم تغيير الاسم إلى جسر "شهداء 15 تموز/ يوليو"، عقب فشل المحاولة الانقلابية المنفذة من قبل مجموعة يقال إنها مرتبطة بمنظمة فتح الله غولن، قبل نحو شهر ونصف.
وقبيل الافتتاح الرسمي، وضعت اللوحة الأخيرة على الجسر المعلق، في 26 آذار/ مارس من العام ذاته، ليكتب التاريخ أول عبور مشيا على الأقدام بين القارتين، وفي 8 حزيران/ يونيو من العام ذاته، بدأت التجارب لعبور السيارات، وصولا إلى الافتتاح الرسمي، حيث افتتح رئيس الجمهورية آنذاك، فخري قورتورك، الجسر، معلنا بدء عصر جديد في اسطنبول.
وترتفع أعمدة الجسر التي تحمل كوابل التعليق 165 مترا، بارتفاع 64 مترا عن سطح الماء، فيما يبلغ طول الجسر 1560 مترا، والمسافة ما بين البرجين (الأعمدة) 1074 مترا، فيما يبلغ عرض الجسر 39 مترا، وتسير فوقه السيارات بثلاثة مسارات ذهابا، ومثلها إيابا، وبلغت كلفة الجسر 21 مليون و774 ألف دولار.
ويعدّ الطريق المار من الجسر الأول، عصب وشريان اسطنبول النابض، وفي عام 2004، سجل الجسر مرور نحو 180 ألف مركبة يوميا، بحسب معطيات حكومية، في حين منعت الحافلات والشاحنات والمركبات الثقيلة من العبور في العام 1991، فيما منع المشاة من العبور فوق الجسر في عام 1987.
ويستضيف الجسر الأول سنويا سباق الماراثون (الأوراسي) البالغ 42 كم، لتكون مرحلة عبور الجسر هي الأهم، إذ بدأ المارثون منذ عام 1979، ويشارك فيه سنويا عشرات الآلاف من مختلف جنسيات العالم، أما عائدات الجسر فقد بلغت ما بين 2004 وعام 2013، مليارا و449 مليون دولار.
الجسر الثاني (السلطان محمد الفاتح)
ومع ازدياد أعداد السيارات في اسطنبول، وعدم كفاية الجسر الأول لتلبية حاجة التنقل بين شطري المدينة، ونظرا للازدحام الشديد، جاء إنشاء الجسر الثاني، لمتطلبات النقل والتنمية، وبدأ العمل به في 4 كانون الثاني/ يناير 1986، صمم من تحالف شركات أجنبية، ونفذ من طرف شركات عديدة، من بينها شركات تركية ويابانية.
وافتتح الجسر في 3 تموز/ يوليو 1988، وافتتحه رئيس الوزراء آنذاك، تورغوت أوزال، بقيمة بلغت 125 مليون دولار، وتمر فوقه المركبات بأربعة مسارات ذهابا، ومثلها إيابا.
ويبلغ طول الجسر 1510 مترا، والعرض 39 مترا، والمسافة بين البرجين 1090 مترا، فيما يرتفع الجسر عن سطح البحر 64 مترا، ويتميز بكون الجسر معلقا بزوج من الكوابل، وفي حال استدعت الضرورة تبديل أحدها، فيمكن ذلك بسهولة.
وقاد رئيس الوزراء أوزال بنفسه سيارته الرسمية في افتتاح الجسر، لتكون أول سيارة تعبر الجسر الجديد، فيما يعد جسر السلطان محمد الفاتح في الوقت الحالي، جزءا من طريق أنقرة (وسط البلاد)- أدرنة (غربا)، من ضمن الطريق الدولي الأوروبي السريع المعروف اختصارا بـ"TEM".
الجسر الثالث (السلطان ياووز سليم- سليم الأول)
جسر "السلطان ياووز سليم" (سليم الأول) هو الجسر المعلق الثالث الذي يصل بين شطري ولاية اسطنبول الأوروبي والآسيوي، ويعد أعرض جسر معلق في العالم، حيث يبلغ عرضه 59 مترا، كما تعد أعمدته الأعلى في العالم، بارتفاع 322 مترا، ويحتوي على عشرة مسارات، ثمانية منها للسيارات، ومساران للقطار السريع، ويرتفع عن سطح البحر 59 مترا.
ويفتتح الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، بحضور عدد من ممثلي الدول الأجنبية، الجسر الذي يربط بين القارتين الأوروبية والآسيوية، عصر اليوم الجمعة، حيث سيوفر الجسر الذي شيده القطاع الخاص، خدمة مرور لقرابة 135 ألف سيارة يوميا، وبدأت الإنشاءات فيه بتاريخ 29 أيار/مايو 2013.
ويُعرف جسر السلطان سليم أيضا، بأنه أطول جسر معلق مدعم بمسارات للسكك الحديدية في العالم، حيث يبلغ طوله 2164 مترا، والمسافة بين البرجين 1408م، ويعول الأتراك، وخاصة في مدينة اسطنبول على الجسر كثيرا، للمساهمة في حل أزمة التكدس المروري الذي تعاني منه المدينة، فضلا عن تخفيف الكثافة على الجسرين الآخرين.
وحتى 2 كانون الثاني/ يناير 2017، سيتمكن أصحاب السيارات الراغبون في العبور من الجانب الآسيوي في اسطنبول إلى الجانب الأوروبي فقط، استخدام الجسر بالمجان، بينما سيدفعون 9.9 ليرات تركية (قرابة 3.3 دولارات أمريكية) عند الانتقال من الجانب الأوروبي إلى الآسيوي.
ومن المتوقع أن يسهم الجسر الذي بلغت تكلفة تشييده ثلاثة مليارات دولار أمريكي، بشكل فعال في تقليل نسبة تلوث الهواء، ومشكلات بيئية أخرى ناجمة عن الاختناقات المرورية كانت تعاني منها مناطق التكدس المروري المحيطة بالجسرين الآخرين، ويبلغ الجسر مع الطرقات السريعة التي يربطها 215 كيلومترا.
وفي الإطار ذاته، قال وزير المواصلات والنقل التركي أحمد أرسلان، الأسبوع الماضي، إن "العمل يجري على إجبار المركبات الثقيلة، لاستخدام الجسر الثالث الجديد فقط، على الرغم من أن الطريق سيصبح أطول، إلا أنه سيوفر في الوقت والطاقة المهدورة، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على المواطنين والشركات".
وخلال جولة تفقدية له قبل الافتتاح، أفاد أن "الازدحام المروري في اسطنبول يتسبب بهدر مليار و785 مليون دولار، هي عبارة عن طاقة مهدورة بقيمة مليار و450 مليون دولار، وقوة عمل بقيمة 335 مليون دولار".