نسير في ميادين شتى، نجول الأرض بحثاً عن ذواتنا وحتى نحقق سلاماً داخليا كي نعود نتزن من جديد، نتعثر نسقط ثم نعاود الوقوف على قدم، نمارس الحياة بسطحية تامّة، نجرّب لأجل التجربة المحضة دُون الرّجوع إلى عقولنا لنُفكّر، وكأننا ذاك الإنسان الأوّل الذي لا يعرف من الحياة شيئاً سوى اسمها، تقوده غرائزٌ لا يعرفها، ورُبّما مات دُون معرفة، فالمزج بين عقلانيّة الأشيَاء وتجربتها، هي أصل المعرفة الكلّية، ذاك ما يمثّله قول "كانط" بأنّ المعرفة هي نتاج تضافر وتكامل بين العقل والتجربة معاً.
إنّ العيش تحت قيادَة العقل في جوانبنا الحياتيّة هو البعد الأمثل الذي من شأنه أنْ يدخل الحضارة من أوسع أبوابها، وأن يخترق حصون التاريخ، فالإنسان بلا عقل كطاحونة مُهملة في ظل هذا العالم الذي يجري بخطوات متسارعة، تتشابك فيها الاحداث وتتكرّر، وجميعنا على ذات التصرف اللا مدروس إلا من رحم الله وصاحب عقله ثمّ سافر في أفق أوسع الى عالم يخترق فيه الجهل والتقليدية، الى التعقل فهل يعقلها إلا عالم، أي عارف مصداقاً لقوله تعالى "وما يعقلها ٌلا العالمون”
فالعقل مناط العلم ومحور الثقافة وكلّ أسرار الحَيَاة، بل إنّه ليس هنالك من منطق من شأنه أن ينتصر دون عقل وفقاً لفلسفة عباس العقاد حين قال: أنّ المنطق مقيد بالعقل، وأننا حينما نفتح لجوانبنا الأخرى طريق سنتلاشى وننخرط في غوغائيّة الحدث، ونعود نحتضن جهلاً، ونصبح فريسة سهلة للعابثين فلا تأكل عقلك !