نشر موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" تقريرا؛ تحدث فيه عن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط، ورأى أن هذا النفوذ ليس إلا وهما، وأن روسيا ليست القوة المهيمنة في المنطقة.
وقال الموقع في هذا التقرير الذي تم ترجمته إن الإعلام ركز، في الأشهر القليلة الماضية، على الترويج لروسيا ولنفوذها في منطقة الشرق الأوسط. وفي الحقيقة، ساعدت الغارات الجوية الروسية بشار الأسد ليكون الطرف الأقوى في صراعه ضد المجموعات المدعومة من قبل تركيا التي قررت، وبشكل مفاجئ، تحسين علاقاتها مع روسيا، وذلك تزامنا مع توتّر العلاقات التركية الأمريكية. ومن جهة أخرى، قامت القاذفات الاستراتيجية الروسية بتنفيذ غارات جوية في سوريا بعد إقلاعها من قاعدة جوية إيرانية.
وذكر الموقع أن روسيا تواجه عددا من القيود الجيوسياسية التي تمنعها من توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وقد باتت هذه القيود واضحة وجلية. فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية أنه لا يزال هناك اختلاف بين روسيا وتركيا حول الأزمة السورية. وصرّح وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، أن كل من يتهم تركيا بمساعدة تنظيم الدولة يعتبر عدوا لتركيا. وكانت روسيا قد اتهمت تركيا بالأمر ذاته عدة مرات.
أما إيران، فقد تراجعت عن قرارها في السماح لروسيا بتنفيذ هجمات انطلاقا من قواعدها الجوية، حيث اتهم وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان روسيا "بخيانة الثقة"، وذلك لأن موسكو جعلت الاتفاق أمرا علنيا. فكل هذه الأحداث توحي بمدى عدم ارتياح تركيا وإيران بعلاقاتهما مع روسيا.
وأفاد الموقع أن إيران وروسيا عادة ما يكونان متفقين إذا ما تعلق الأمر بالملف السوري. فكلاهما مساند رئيسي للنظام الروسي، وكلاهما يتعاونان لضمان بقاء الأسد في السلطة. لكن تبقى العلاقات الثنائية بين البلدين وثيقة في مجالات أخرى أيضا؛ فقد قامت موسكو بمساعدة طهران فيما يتعلق بالاتفاق النووي.
لكن يبقى الجدال قائما في إيران حول ما إذا كان يجب منح الثقة لروسيا، فالمحافظون لم يستطيعوا بعد منح ثقتهم للدولة الروسية. وفي الأيام القليلة الماضية، حذر عصمة الله فلاحة بيشه، وهو أحد الأعضاء المتشددين في اللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسة الخارجية، من اعتماد روسيا في السنوات الماضية لـ"سياسة مختلفة ومتقلبة".
وأضاف الموقع بأن عصمة الله كان قد انتقد قرار إيران بالسماح لروسيا باستعمال قاعداتها الجوية، خاصة أن روسيا لم تقف في صف إيران خلال أزماتها. ويبدو أن الإيرانيين يدركون جيدا أن روسيا تستعمل إيران كورقة ضغط بهدف المساومة والحصول على تنازلات من قبل الأمريكيين. وفي الواقع، تعود التقلبات في العلاقات الإيرانية الروسية إلى قرون مضت، حيث خاض البلدان حروبا خلال القرن السابع عشر والتاسع عشر. كما قام الاتحاد السوفييتي (بالتنسيق مع بريطانيا) باحتلال إيران، وذلك سنة 1941.
وذكر الموقع أن العلاقات الروسية التركية شهدت توترات عديدة منذ بداية الحرب في سوريا، حيث لطالما اختلفت وجهات النظر حول الملف السوري. فقد أصرت تركيا على ضرورة تنحي الأسد، فضلا عن كونها أحد الداعمين الرئيسيين للمعارضة التي تحارب نظام الأسد المدعوم من قبل روسيا. وبقي التوتر قائما، إلى أن تغيرت المعطيات، خاصة وأن تركيا تعتمد على روسيا في أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
ورغم محاولة الجانبين تجنّب حدوث صراع مفتوح، إلا أن العلاقات بينهما اتسمت بالعدوانية. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمكن من امتصاص غضب روسيا عندما توجه باعتذار مكتوب إلى بوتين، وذلك على خلفية حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية. فقد كانت تركيا بحاجة لتحسين علاقاتها مع روسيا، خاصة بعد تدهور العلاقات التركية الأمريكية.
ثم بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الروسية التركية بعد محاولة الانقلاب التي حصلت بتركيا مؤخرا. وقد قامت تركيا باتهام الولايات المتحدة بالضلوع في محاولة الانقلاب، باعتبار أن مقر منظمة غولن موجود في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
في الوقت نفسه، كانت روسيا أول دولة تصدر بيانا دعمت خلاله أردوغان بعد الانقلاب. وفي الحقيقة، تزامن تصاعد التوتر في العلاقات الأمريكية التركية مع تحسن العلاقات الروسية التركية، خاصة بعد الزيارة التي أداها أردوغان لروسيا. لكن تركيا، مثل إيران، لا تثق في روسيا نظرا للصراعات التاريخية التي خاضتها كل من إيران وتركيا مع روسيا.
وأفاد الموقع أن تركيا لا زالت بحاجة للولايات المتحدة. وأكد وزير الخارجية التركي أن تركيا لم تتهم واشنطن بضلوعها في الانقلاب. وبحسب الموقع، فإن الأتراك يدركون تماما أن مواصلة العمل مع الولايات المتحدة أفضل بكثير من التودد لروسيا.
وذكر الموقع أن كل هذه الأحداث تؤكد بأن روسيا ليست الأقوى في الشرق الأوسط، وليست إلا لاعبا ثانويا. وبالتالي، يجب التركيز أكثر على القوى الإقليمية، ألا وهي تركيا وإيران.