إلحق عرق الشيكولاتة البلجيكية الفاخرة

» » رحلة اننتحارٍ موفقة

شارك أصدقائك

بقلم: خالد الوحيمد
 
من المستحيل فهم سلوك الإنسان، طالما لم يفصح عن مكنوناته الداخلية، وإن عبرتْ بطريقة ظاهرية لن ينتهي الأمر لفهم الطبيعة السلوكية. الإنسان هو المخلوق الوحيد الغامض، الذي بدوره لا يعرف ماذا يريد وماذا يفعل. فهو كائن غريب الأطوار، له تصرفات مشينة مع الآخرين؛ حتى مع نفسه غير سوي ولا متصالح.
والنقطة الأخيرة، هي الحسم الأخلاقي للتعايش مع كافة الاختلافات الثقافية والمذهبية وَعدِّد ما تشاء من اختلافات أخرى. قلنا إنه غير متصالح مع نفسه، وهذه هي المعضلة الرئيسية لخلافاتنا وإشكالية وجودنا. وهنا لا يعني أن كل متصالح مع نفسه يستطيع أن يتكيف مع المختلفين. قد يكون هذا المتسامح مع نفسه لديه غريزة الأنانية أو الأنا متضخمة جداً، وهنا يفقد معنى الإنسانية بكل عواطفها الروحانية والتأملية. ومثالنا على ذلك مع الإرهابيين الانتحاريين، فهم لم يفجروا أنفسهم إلا بعد مخاضٍ طويل من إرضاء النفس، بغرورٍ متصاعد وجامح لقوة الأنا وسيطرتها على كل ضميرٍ حي يتغلغل في مشاعره؛ حتى أماتت هذا الضمير نهائياً، لحظة سحب الصاعق الكهربائي أو الزر المشرع للتفجير.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وجود شخصية عدوانية أخرى وهذا على توضيح الكثير من علماء النفس مع أي إنسان يود قتل ذاته، أي أن هناك قاتلا ومقتولا في آن واحد. لكن الوضع مختلف تماماً مع الإرهابيين، فلا توجد شخصية أخرى كامنة في الذات، وإن كانت فهيَ خفية سيطرت عليها الأنا العليا. وتعليل ما نقول هو أن جميع المنتحرين يقدمون على ذلك بإرادة ذاتهم، لا بدوافع حزبية أو ضغوط عليا، هم عاطفيون أرادوا تخليص ذاتهم بذاتهم، دون وقوع ضحايا معهم، ودائماً في الغالب نجدهم أشخاصا مبدعين، ربما يكونون كتّاباً، رسامين، فنانين وشعراء… إلخ. لأن الإبداع حمله ثقيلٌ على المبدع، وعليه أن يبدع أكثر طالما هو حي في هذا الملكوت، وإن استنفذ هذا الإبداع فلا حياة له سوى الموت، كالشاعر اللبناني خليل حاوي (1919 ـ 1982) حين أطلق على نفسه رصاصة الرحمة تعبيرا عن اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان، هذا في الظاهر، ولكن في حقيقة الأمر أنه لم يعاود الكتابة كما كان، وأضحت الروح تتحشرج بميلادِ موتٍ جديد، وهي القصيدة المعبرة عن فناء الشاعر، وهنا نوضح أن القاتل الحقيقي هو القصيدة، وليس خليل حاوي!
هكذا هو انتحار المبدعين، يتركون بصمة جميلة كأنهم يخبروننا أننا نعيش لنبدع ونكتب ونرسم ونعزف أجمل الألحان، وإن توقفت المصادر الفنية توقفت حياتنا في حناجرنا. من يعيش مع الكتابة يجد أنها حياته الأبدية، فحين يكتب الكاتب قصيدته أو مقالته يشعر بتجدد الروح في جسمه. وإن خمدت هذه الأحرف ولم تعاوده كوحي أو ملهم؛ حتماً تحيط به الكآبة وتحاصره من كل جانب، فيكون الخيار الوحيد هو الموت بين أحضان الدفاتر والأوراق.
الآن وضحنا الفرق بين المنتحر المبدع والمنتحر المجرم وليس في أمرهما سيان إطلاقاً. المبدع يقدم الخير إلى الناس ويرحل في هدوء تاركاً لنا أعمالاً جميلة وسيرة عطرة. والمجرم المتشرذم يقدم لنا عند رحيله الشر بكل أنواعه تاركاً خلفه الدمار والعار اللاحق باسمه، والأنا التي تسيطر عليه هي التي أخرجته من مجمل حياة الرحمة والخُلق القويم

عن الجريدة Unknown

بوابة أخبار الأمة -جريدة إخبارية -شاملة - مستقلة -نحن نأتيك بحقيقة الأحداث والأخبار بحيادية تامة دون توجه خاص لحكومة أو حزب بعينه كل مايشغلنا هو مصلحة الوطن العليا وسلامة وأمن الامة العربية والإسلامية والبشرية بلا استثناء
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

موضوعات تهمك