إلحق عرق الشيكولاتة البلجيكية الفاخرة

» » وأد الثقافة

شارك أصدقائك

 
 
 
إن دخول المجتمع العربي في النفق المظلم منذ قرابة ألف عام مسألة لم تعد بحاجة الى مؤشرات او توثيق, ولكن السؤال المنطقي الذي يطل برأسه لماذا لم نخرج حتى الان الى الحياة الحقيقية? انه سؤال يندغم في منظومة اللا مفكر فيه في العقل العربي, حيث باتت ظواهر الانسحاب الحضاري, والاستلاب الثقافي والعقول المستقيلة والقابلية للاستعمار نقوشا دامية على جدار المشهد العربي المعاصر في محدداته وتجلياته كافة

وإذا كان العرب قد دخلوا في الإسلام وتخلوا عن حياة الجاهلية قديما, فإن المجتمع العربي في الالفية الثالثة استعاد بعضا مما تحدر اليه من مظاهر الجاهلية ولكن بطرق مبتكرة تناسب ظروف هذا الزمان, فقد تخلى العرب تماما عن ظاهرة وأد البنات علنا على الاقل, في الوقت ذاته الذي اصبح فيه الضحية الجديدة هو المثقف, بحيث أضحى الوأد الثقافي ملازما لكل مثقف يرفض التدجين والظلم والوصولية, ويأبى ان يكون ضمن ميليشيات أشباه المثقفين, لكأن سارتر حين تحدث عن "الضمير الشقي" الذي يحمله المثقف, ويدفعه نحو التغيير والثورة ضد جميع صور الامتهان يعتبر البعض في بلادنا زائدة دودية ينبغي استئصالها

نقول هذا على الرغم من صرخة ادوارد سعيد انه " بدون المثقفين لم تشتعل اي ثورة رئيسية في التاريخ الحديث, وفي المقابل لم تقم بأي حركة مضادة للثورة بدون المثقفين, فالمثقفون هم آباء الحركات وأمهاتها, وبالتأكيد أبناؤها وبناتها, وحتى أبناء الشقيقات وبناتهن " فالمثقف العربي المعاصر والحقيقي مفروض عليه الانفصام مع ذاته ومجتمعه, اذ المثقف في جميع أرجاء الدنيا هو خطاب المثقف الا في بلادنا, وهو كائن اجتماعي بامتياز ولكنه لدينا منفي من لغته ومجتمعه, وهو مرآة الناس وصوتهم ولكنه في قوانين بلادنا مطالب بالتماهي , واما مع السلطة السياسية او الإيديولوجية المهيمنة, وهو... وهو.... الي ختام السلالة المعروفة, ومن رفض من مثقفينا ان يكون مستباحا ضاقت به الأرض والسجون والمقابر, وتلكم من عجائب الأمور في مجتمعنا العربي الذي بات فيه المثقف كما قال جدنا المتنبي
أهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه , وأطارد ويحلو للبعض وتمييعا للمسألة- الدخول في متاهة مفهوم المثقف ذاته, الا اننا لا نجد المثقف العربي واضح المعالم في تعريفات ماكس فيبر, او بارسونز, او شيلز, فضلا عن ان غرامشي قد وصف مثقفينا تماما في حديثه عن "المثقف العضوي" او عندما يتوسع في كتابه "دفاتر السجن" ليقول ان كل الناس مثقفون, لكن ليس لهم كلهم ان يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع, بل اننا نجعل من حوليان بندا في كتابه "خيانة المثقفين" عندما يعتبرهم فئة صغيرة تتحلى بالموهبة الاستثنائية وبالحس الاخلاقي الفذ, اذ تمتلك الثقافة العربية والاسلامية
 
خصوصية تؤهلها لصياغة مفهوم متفرد للمثقف يقوم على اساس ان المثقف هو الخطاب والسلوك لا اكثر ولا اقل. وتأسيسا على هذا, فإن قراءة هادئة لظاهرة الوأد الثقافي, تؤشر الى حاجتنا الماسة لتحديد منطلقات الخروج من ذلك النفق, فقد اختلف الباحثون العرب في اسباب ذلك, فمن قائل ان المثقف العربي يعيش برتابة ما تحت التاريخ كما يرى عبدالله العروي, الى قائل بأن غياب المجتمع المدني والديمقراطية هي السبب كما هو الامر لدى غسان سلامة, مرورا بالقول انها العوامل الخارجية, او تفشي الامية الثقافية والتخلف, ولكن الحقيقة ان الاراء سالفة الذكر تقدم تبريرا لهذه الظاهرة اكثر مما تقدم تفسيرا لها, فهذه الاسباب تشكل تحديات تزيد من اهمية المثقف العربي الحقيقي ومحورية دوره بصورة تفوق كونها تقلل من هامشيته او انسحابه. لقد كتب جدنا "ابو حيان التوحيدي" يوما في مقابساته
ضاق اللفظ, واتسع المعنى, وانخرق المراد, وتاه الوهم, وحار العقل, وعليه فإننا سنحاول جمع تلابيب هذه الاشكالية لنجد ان كل ما ذكرناه عن تغييب المثقفين في مجتمعنا العربي لا يفسر وحده ما وصلنا اليه الان, ولا يعفيهم كذلك من القيام بدورهم القيادي المأمول, ان سر هذا \"المشكل\" كما يقول اخواننا المغاربة يكمن في جانبين اثنين أولاهما ان اغلب المثقفين العرب الحقيقيين هم بسبب نتيجة حالة الاغتراب alienation التي أوصلوا أنفسهم اليها, وثانيها ان جيل المثقفين الجدد الذين ينحتون بالصخر تتكالب مختلف العوامل في سبيل وأدهم بطريقة مريعة, وتحويلهم الى نباتات برية, او جزر معزولة عن بعضها, تمهيدا لأشباه المثقفين وأنصاف الكتاب الذين أوشكوا ان يستولوا على اغلب معالم الحياة الثقافية في بلادنا

ففي الحالة الأولى وصل المثقفون الى حالة الاغتراب لانشغالهم اما بالغرب \"الآخر\" او انشغالهم بالانتهازية, فقد ذهب اغلب المثقفين الى دراسة \"الاخر\" الغربي وضاعوا في خضم رفضه والانتفاء منه جزئيا او كليا, ولم يكن للمجتمع العربي وهمومه ماضيا وحاضرا ومستقبلا دراسة نقدية متكاملة وموضوعية, وان قال كثير منهم غير ذلك, اما الزاوية الأخرى للاغتراب, فقد أصبح المثقف العربي انتهازيا (في معظم حالاته) يبحث عن المسؤولية والامتياز ات دون أدنى اعتبار لقضايا مجتمعنا المصيرية, وفي الوقت نفسه الذي يقدم هؤلاء أنفسهم كضحايا للسلطة السياسية نجدهم نادرا ما يتنازلون عن امتيازات هذه السلطة, بل ان ما يؤسف عليه ان النماذج المثقفة في اغلبها التي صعدت للسلطة تنكرت للمبادئ التي طالما دعت اليها, وقد كانت مصيبة المجتمع في هؤلاء مركبة, ومن الدرجة الرابعة كما يقول العلماء لانهم كانوا فعلا مثقفين حقيقيين

اما في حالة الوأد الثقافي فإن البذرة التي يقدر لها ان تعيش وترى النور وتزهر يجب ان تدفن في التراب اولا, ولهذا فإن المثقف العربي الذي نقصده يعلم تماما الظروف الضاغطة والتحديات التي \"تعيق\" حركته بل وتحاول خنقه ونفيه, ويبدو انها لا \"تقتله\" ولا تقيد تقدمه وريادته, وليس خافيا لدى هذه الثلة ان امراض الوعي الزائف, والازدواجية واللا حسم التي ارخت سدولها على غيرهم تضيف رصيدا يعمق تجربتهم, ويمنحهم الارادة الصلبة في مواجهة كل محاولات التهميش والاقصاء التي تمارس ضدهم.

ومستصفى القول ان الوأد الثقافي يستفحل في معظم جوانب حياتنا العربية الفكرية والعلمية والصناعية وليس الثقافية فحسب ولكنها ظاهرة لا تؤشر الى \"نهاية الثقافة العربية" و "موت المثقف الأخير" بقدر ما تؤكد البداية البطيئة نحو النهوض بصورة ما ذلك لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد بكل ما في العبارة من معنى, فالمثقف العربي ينبغي ان يساهم بصورة اساسية في صنع احداث مجتمعه, وان يكف عن ممارسة دور المتفرج او الهارب, لانه ببساطة يعمل لحساب الأمة والثقافة والمجتمع عربية الوجه واليد واللسان

عن الجريدة Unknown

بوابة أخبار الأمة -جريدة إخبارية -شاملة - مستقلة -نحن نأتيك بحقيقة الأحداث والأخبار بحيادية تامة دون توجه خاص لحكومة أو حزب بعينه كل مايشغلنا هو مصلحة الوطن العليا وسلامة وأمن الامة العربية والإسلامية والبشرية بلا استثناء
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

موضوعات تهمك