تلقيت فى بريدى الإلكترونى بيانا صادرا عن كيان باسم «ائتلاف عزم مصر» لم أسمع به من قبل. أثار انتباهى اسمه ومضمونه وقائمة الموقعين عليه. خلاصة البيان أن حكومة الشباب ــ التى لم أسمع بها بدورها ــ ناقشت خطة عمل الحكومة فى الفترة المقبلة التى دعت إلى العمل على تشغيل ٥٠٠٠ مصنع معطل. إضافة إلى هيكلة العاملين بجهاز الدولة الإدارى بحيث يخفض عدد موظفى الحكومة من سبعة ملايين إلى مليونين فقط. والعمل فى الوقت ذاته على تحويل الملايين الخمسة إلى قوة منتجة. أضاف البيان أن المجلس الاستشارى لحكومة الشباب الذى يرأسه الفريق أول محيى الدين الوسيمى الذى وصف بأنه «أبو أجهزة المخابرات العربية» أقر تلك الخطة. كما أنه وافق على مقترحات الحكومة لتحقيق الإصلاح الاقتصادى.
مما ذكره البيان أن رئيس حكومة الشباب المكلف اسمه صموئيل العشاى وأن النائب الأول له اسمه أحمد إبراهيم أما النائب الثانى فاسمه الدكتور طارق العيسوى. وحين حاولت أن أتعرف على اسم رئيس الحكومة (من باب الاحتياط وتحسبا للمستقبل) وجدت على موقع جوجل أن له صفتان إلى جانب «منصبه» سابق الذكر،الاولي أنه كاتب صحفى والثانية أنه الناطق باسم ائتلاف «عزم مصر».
استوقفنى أيضا قائمة الموقعين على البيان. الذى كان واضحا فيه أن ائتلاف «العزم» يضم الجهات التالية: حركة مصر فوق الجميع ــ حركة شركاء من أجل الوطن ــ ائتلاف ٣٠ يونيو ــ حركة المصريون قادمون ــ الجبهة الثورية لحماية مصر ــ جبهة الوطنيين الحقيقيين ــ حزب الاستقامة ــ حزب مصر أم الدنيا ــ حزب حراس الثورة.
لأول مرة يبدو الأمر مضحكا ومشجعا على إهمال الموضوع. فالبيان الذى جرى توزيعه من خلال الإنترنت تحدث عن ائتلاف سرى وحكومة للشباب سرية وأحزاب سرية. وقرار عجيب بالاستغناء عن خمسة ملايين موظف دفعة واحدة فى بلد مأزوم. كأنما لم يأخذوا من صفات الشباب سوى التسرع والطيش.
اسم الائتلاف أيضا بدا باعثا على الضحك. إذ بدا أن الحكومة الرسمية يحملها فى البرلمان ائتلاف أيضا بدا باعثا على الضحك. فالحكومة المصرية الرسمية يحملها فى البرلمان ائتلاف دعم مصر، أما حكومة الشباب التى تحدث عنها البيان فيقف وراءها ائتلاف عزم مصر. وكأنهما أولاد عمومة. الأمر الذى يفتح الباب لظهور ائتلافات أخرى تنتسب لنفس العائلة، مثل شحذ مصر وعمق مصر وعدل مصر.. إلخ. وهو ما يذكرنا بسلسلة أفلام إسماعيل ياسين التى قدمته فى الجيش تارة والبحرية تارة أخرى وحديقة الحيوان فى فيلم ثالث وفى البوليس الحربى فى فيلم رابع.. إلخ.
أما الأحزاب التسعة المذكورة فالقاسم المشترك بينها أنها غير معروفة. ولم نسمع أو نلحظ لها حضورا فى الشارع. وإذا كان رئيس المجلس الاستشارى رجلا وصف بأنه أبو المخابرات العربية، حسب نص البيان الصادر عن الائتلاف، فلنا أن نتصور هوية زعماء الأحزاب التسعة، الذين لن نستغرب أنهم لم يبتعدوا كثيرا عن الدائرة. كأننا بصدد تركيبة ائتلاف دعم مصر، الذى كان ضابط المخابرات السابق اللواء سامح سيف اليزل على رأسه ثم خلفه بعد وفاته ضابط المباحث السابق اللواء أحمد جمال الدين.
لست ضد تعدد الأحزاب وكثرتها. كما أنى لست ضد مشاركة الضباط السابقين فى الحياة الحزبية والسياسية بعد خروجهم من الخدمة. ولا يعيب أى حزب أن يولد صغيرا ثم ينضج ويكبر بعد ذلك، لكن ذلك كله مشروط بشىء واحد هو أن يتنافس الجميع على قدم المساواة فى انتخابات حرة ونزيهة. إذ المطلوب هو إثراء الحياة السياسية وليس تأميمها أو العبث بها. وتجربة ائتلاف دعم مصر فى الانتخابات التشريعية الأخيرة مؤسفة وغير مشرفة. ذلك أنه لا يجوز لنا أن نفتح الأبواب على مصاريعها لتشكيل الأحزاب السياسية سيرا على أعراف الدول الديمقراطية. وفى الوقت نفسه تعمل الأجهزة على السيطرة على الأحزاب والتلاعب فى نتائج التصويت، جريا على تقاليد الأنظمة الاستبدادية. إن شئت فقل إننا لا نريد للمجتمع الذى نتمناه فى مصر أن نستلهم تطبيقات الدول الاشتراكية (سابقا) التى توافرت لها مختلف أشكال الديمقراطية وهياكلها، لكن وظيفة الديمقراطية فى الرقابة والمساءلة والتشريع تظل مغيبة ومعطلة.
دعونا نرحب بائتلاف «حزم مصر» وأن نتمنى له أن ينافس «دعم مصر» لا أن يكون توءما له واستساخا يضعف الحياة السياسية ويؤدى إلى لجم مصر أو قمعها. وليت الاثنين يصبحان إضافة للديمقراطية وليس خصما عليها.