ليست واضحة العلاقة بين إطلاق البعض دعوة لجمع ٤٠ مليون توقيع لمد الفترة الرئاسية من أربع إلى ثمانى سنوات، وبين ما أثير أخيرا حول البديل المدنى والإعداد للانتخابات الرئاسية المصرية التى يفترض أن تجرى فى عام ٢٠١٨، وإذا كان الذين تحدثوا عن البديل المدنى أشخاصا معروفين فإن الذين يديرون حملة التوقيعات مجهولون إلى حد كبير. الأمر الذى يثير العديد من علامات الاستفهام حول هوية الجهة أو الجهات التى تبنت تلك الحملة. وسواء كان التزامن بين الأمرين مجرد مصادفة، أم أن هناك صلة بين الحدثين، فالشاهد أن مشروع جمع التوقيعات التى قيل إن ١٤٠ ألف شخص استجابوا لها حتى الآن، لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذ إلا بترتيب أو موافقة من الجهات الأمنية. ذلك أن الموضوع مهم والقضية حساسة. حتى أزعم بأن ملف انتخابات الرئاسة لا يحتمل العبث، حيث تدرجه الأجواء الراهنة ضمن الأمور التى تعد «هزلهن جد وجدهن جد» كما ورد فى الأثر. ومبلغ علمى أن أحد الوزراء السابقين عنّ له أن يقترب من الملف بحيث يرشحه أحد معاونيه للرئاسة القادمة فى حفل تكريم أعد للوزير السابق، إلا أنه استقبل من حذره من اللعب فى هذه المساحة، فعدل الرجل عن الفكرة وألغى حفل «التكريم» الذى كان قد أعد لذلك الغرض.
إذا كان الأمر كذلك فإن السؤال يثور حول صلة الدولة العميقة بالموضوع، وهى ذات المؤسسة صاحبة الحضور البارز فى الفضاء السياسى المصرى.
فى بداية الأمر لم آخذ حملة التوقيعات على محمل الجد. ذلك أن الوصول إلى ٤٠ مليون مصرى أمر أكبر بكثير من طاقة أى مجموعة من المجهولين، فضلا عن أن الأمر يحتاج إلى امكانيات هائلة بشرية ومادية وفنية كما يحتاج إلى وقت طويل. لذلك اعتبرتها حينذاك مجرد فرقعة أطلقها نفر من هواة السياسة، الذين يمكن أن يكون تبنيهم للفكرة جاذبا للأضواء، وبابا للتكسب والاقتراب من السلطة. على الأقل فذلك سيناريو جرى تفعيله وإخراجه وحقق بعض النجاح فى حالات سابقة. ضاعف من شكوكى إزاء الموضوع أن الترويج له يتم من خلال بعض المنابر الإعلامية المحسوبة على الأجهزة الأمنية. من ثم فإذا وضعت تلك القرائن جنبا إلى جنب فقد لا تقتنع بجدية الحملة، لكن أرجو أن تتفق معى على الأقل بأن الأمر فى ظاهره ليس هزلا.
إلى أن يثبت أن تحليلى كان خطأ. أو أننى حملت الأمور بأكثر مما تحتمل، فإننى أزعم أن المحاولة أيا كانت النوايا وراءها تسىء إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى لأنها تعنى أنه لن يستطيع الفوز إذا نافسه آخرون فى انتخابات حرة، لذلك فإنه يحتاج منذ الآن إلى «صديق» يحمله ويؤمن له الفوز المبكر. من ناحية أخرى، فإن الإساءة التى تصيب الإرادة الشعبية بدرجة أكبر، حيث يبدو أن هناك من يسعى منذ الآن لممارسة الضغط والترهيب باستخدام قوة السلطة المادية والمعنوية، لحشد المؤيدين. وبدلا من أن يدلى هؤلاء بأصواتهم داخل الصناديق المودعة وراء الستائر التى تحجب النظر، فمطلوب منهم أن يجهروا بأصواتهم من الآن أمام ممثلى الحملة ومندوبيها. وهو ما يلغى الانتخابات ويفقدها نزاهتها. أما صدى العملية فى العالم الخارجى فحدث فيه ولا حرج. بسبب من ذلك فإننى تمنيت على أولى الأمر أن يوقفوا تلك الحملة إن لم يكن احتراما لإرادة المجتمع فعلى الأقل حرصا على سمعة الرئيس والنظام القائم. وإذا لم تكن للدولة علاقة بإطلاقها. فإن سكوتها على استمرارها يشكك فى صدقية ذلك الموقف.
لى تجربة مكلفة سابقة مع مشهد مشابه حدث فى عهد الرئيس أنور السادات. ذلك أنه عقب حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ التى ارتفع بسببها الرصيد الشعبى للرئيس الراحل، ومع اقتراب انتخابات التجديد للرئيس فى عام ١٩٧٧، فإن الشيخ أحمد حسن الباقورى أعلن فى خطبة له أن انجاز السادات يرشحه لأن يبقى رئيسا مدى الحياة. وفى سياق تعزيزه لرأيه ذكر أن الانتخابات غير مرحب بها فى الإسلام، لأن المرشحين يجرحون بعضهم بعضا ويتنابذون بالألقاب، وذلك مما لا يجوز شرعا.
حينذاك كتبت مقالا نشرته جريدة «الأهرام» كان عنوانه «فى الرد على الباقورى». (كان الشيخ مقربا من السادات، وبعد خروجه من وزارة الأوقاف عين مديرا لجامعة الأزهر وعضوا بمجمع البحوث الإسلامية). وكانت خلاصة مقالى أن انجاز السادات يرفع من مقامه لا ريب، ويجعله فوق العين والرأس، لكن لا يصح أن يقال إن الإسلام لا يحبذ إجراء الانتخابات. وشرحت وجهة نظرى فى ذلك. وهو ما أغضب الرئيس، وعلمت من الأستاذ على حمدى الجمال رئيس التحرير آنذاك أنه عنفه هاتفيا، الأمر الذى ترتب عليه منعى من الكتابة بـ«الأهرام». وهو ما دفعنى إلى الرحيل إلى الكويت حيث عملت مديرا لتحرير مجلة «العربى» تحت رئاسة الأستاذ أحمد بهاء الدين. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد لأنه حين قرر السادات قبل اغتياله تأديب الصحفيين وفصلهم من وظائفهم فقد كان اسمى الأول فى القائمة، حيث نقلت من «الأهرام» إلى مصلحة الاستعلامات.
حين خطرت لى القصة فى السياق الذى نحن بصدده قلت «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».