كشف الإعلامي يسري فودة عن كيفية سيطرة مجموعة من الموظفين التابعين للدولة على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، مؤكدًا تنفيذ خطط مدروسة ممنهجة تهدف إلى إفساد المجال العام وتشويه الصورة وإرهاب الناس.
وتحت عنوان "كيف تُحوِّل فيسبوك إلى دائرة مغلقة .. بكتيبتين" ، المنشور على موقع الإذاعة الألمانية "DW"، قال فودة إن مئات من الموظفين يعملون على مدار الساعة، مهمتهم إغراق المنتديات الإليكترونية والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف من التعليقات والمنتجات المفبركة التي تمتدح السيسى وتشتم خصومه ومنتقديه وتفسد المناقشات الجادة وتجرح المؤدبين.
وأضاف أن هذه المهام تنطلق من مبنى من أربعة طوابق، في كل طابق ست غرف، و في كل غرفة عشرون موظفًا يُشرف على عملهم ثلاثة "رؤساء تحرير". يحصل كل موظف على ما يعادل نحو 790 دولارًا كل شهر. لا توجد عقود موقعة بين الطرفين. فقط يُضطر الموظف قبل استلامه العمل إلى التوقيع على ورقة تدينه قانونيًّا إذا أفشى أي شيء له علاقة بطبيعة العمل. الموظفون كلهم من أصحاب الثقة ولكل منهم ملف أمني يحتوي على نقاط ضعف يمكن استغلالها إذا لزم الأمر.
يتابع "فودة": "يعيش الموظف حياةً مزدوجة بالمعنى الحرفي، و يُمنع من إخبار أي أحد في حياته الواقعية مثلما يُمنع من إضافة أي أحد يعرفه إلى حياته الإليكترونية على مدونته أو حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه كلها يتم إنشاؤها تحت أسماء وهمية. يخضع اختيار الاسم والصورة المصاحبة له لسيناريو محدد سلفًا يعيش الموظف في إطاره أثناء العمل ويتركه وراءه حين يغادر".
وكي تبدو شخصيته المختلَقة قابلة للتصديق يقوم الموظف بإضافة مشاهير وأناس عاديين طبيعيين يوجدون على قوائم "أصدقاء" لأشخاص مستهدفين كي يبدو لأول وهلة أن هناك "أصدقاء مشتركين". هكذا تبدأ شخصيته الوهمية في ضرب جذور لها في أرض "الفيرتشوال"، يعززها قيام الموظف من وقت لآخر بمداخلات عادية عن أمور عادية و روابط و صور وفيديوهات إنسانية أو مضحكة تتوافق مع شخصيته الوهمية. وما أن تبدأ عملية "الزرع" هذه في الاكتمال حتى يبدأ الموظف في الدخول تدريجيًّا إلى النشاط المتوقع منه.
ووفق مقال "كيف تُحوِّل فيسبوك إلى دائرة مغلقة .. بكتيبتين"، ينقسم الموظفون إلى مجموعات تتكون كل منها عادةً من ثلاثة أفراد أو أربعة. يبدأ الموظف (أ)، على سبيل المثال، بكتابة مدونة أو بوست أو تغريدة عن موضوع حدده له "رئيس التحرير": "هو إيه الكلام الفاضي اللي بيقوله فلان الفلاني ده؟ هو مش هيرحمنا بقى؟" بعدها يدخل الموظف (ب): "يا عم دا شغل تع**ص. ماشفتش اللي قاله من سنتين في الموقف العلّاني". يقفز عندئذ الموظف (ج): "لاااا دا مش تع**ص .. دي خيانة واضحة زي الشمس تستاهل الإعدام". و يختتم الموظف (د): "يا جماعة انتو بتتكلموا عن إيه؟ الشعب كاشفهم كلهم سيبكو منهم".
لا يقيس "رئيس التحرير" نجاحه بهذه المداخلات وفق "فودة"؛ فهو يعرف أنها تمثيلية. نجاحه يبدأ حين يرى أول تعليق من "مواطن شريف" متأثرًا بالمزاج العام الذي سيطر على التعليقات الأولى التي مهدت الطريق. هنا يستطيع قياس حجم "الجيش المتخرفن" الذي يتفاوت كثيرًا في دوافعه بين الجهل وضيق الأفق والأنانية والمصلحة وحب الظهور وغيرها. يندهش العابرون الذين يحملون وجهة نظر مختلفة، ويصاب بعضهم بالكمد، ويفكرون أكثر من مرة في عواقب الدخول بتعليق مغاير وسط هؤلاء. ومن ثم يحلو لسيادة "رئيس التحرير" أن يتخيل أنه يستطيع أن يحول فيسبوك إلى "دائرة مغلقة بكتيبتين".
هذا، باختصار ملخص (بتصرف) لاعترافات عدد من هؤلاء الموظفين، نشرتها جريدة الجارديان البريطانية، لما يدور في المبنى رقم 55 في شارع سافوشكينا في مدينة سان بطرسبيرغ، يقود الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حربه الإليكترونية على مواطنيه ومواطني الدول الأخرى لتوجيه دفة الرأي العام. المركز، بهذا المعنى، مؤهل إلى حد بعيد لتقديم دورات تدريبية متقدمة للمهتمين.
هذا النوع من النشاط على الإنترنت اسمه بالإنجليزية Trolling، ورغم أن المعنى الحرفي لهذا المصطلح في القواميس الإنجليزية هو "الصيد عن طريق تتبع خيط ينتهي بطُعم خلف قارب صيد"، فإن ما يحدث في عالمنا نحن يتعدى هذا إلى ما يقترب في العامية المصرية من "رزالة" على خلق الله، أحيانًا هكذا "لوجه الله"، وأحيانًا بصورة مدروسة ممنهجة تهدف إلى إفساد المجال العام وتشويه الصورة وإرهاب الناس.
مقال "يسري فودة" يأتي ردا على تصريحات سابقة لعبدالفتاح السيسي، حيث أبدى غضبه من مواقع التواصل الاجتماعي، وقال نصًا في خطاب ألقاه في شهر أبريل الماضي"أنا ممكن بكتيبتين أقفل الدنيا على النت"