تعيش البشرية اليوم وفي ظل النظام العالمي الحالي، عصرا تاريخيا استثنائيا، فالمزاج العام للمجتمع البشري يعمه القلق والخوف من الحاضر والمستقبل، في ظل الصراع الدولي الشرس على ما تحت الأرض من خيرات، وعلى ما فوقها من مجموعات بشرية، حيث تدور حلقات الصراع بين كبار العائلات المالكة لأكثر من 95 بالمائة من ثروات العالم، والتي تشكل حوالي 5 بالمائة من سكان الأرض، على مناطق الطاقة وأسواق الإنتاج والتسويق
وفي ظل هذا الجو المحموم الذي صنعه أرباب الثراء المتوحش، دخلت الحياة في عصرنا مرحلة خطيرة في مختلف المجالات الحياتية، قد تكون عواقبها وخيمة على مختلف سكان الأرض، ومن خلال رصد بعض الظواهر العالمية الناتجة عن هذا الخلل في امتلاك وتوزيع ثورات الأرض، يمكن للقارئ استقراء الوجهة المقبلة للعالم
-ففي مجال العلاقات الدولية والسلم العالمي : يعمل النظام بنشاط من أجل استثارة الحروب ونشر العنف وتغذية الصراعات المحلية والإقليمية في مختلف مناطق العالم، وبذل الجهود الحثيثة لتفتيت بعض الدول والكيانات التي تشكل خطرا على وجوده، كما يمكن رصد ظاهرة تنمية تجارة السلاح العالمية، من أجل خدمة شركات السلاح الكبرى، مع إشاعة الخراب، والتحكم في الديموغرافية من خلال تهجير الشعوب، وإحلال مكونات أخرى تكون خادمة لمشاريع الهيمنة العالمية، مع رصد ظاهرة أخرى باتت تؤرق الكثير من العقلاء، وهي إشاعة جوّ عالمي يسوده الهلع والرعب، من أجل تمرير مخططات مدروسة بعيدا عن أعين البشر.
-أما في المجال الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي: فإن العالم يعاني من وضع مأساوي حقيقي، جرّاء انتشار المجاعات في بلدان كثيرة، مع ارتفاع مطرد في نسبة الفقراء في العالم، فعدد الذين لا يحصلون على غذاء يومي يبلغ 1.5 مليار إنسان، الأمر الذي يسبب وفاة 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع، بينما تخصص 9 دول متقدمة، ميزانيات لإطعام ورعاية الكلاب والقطط في 6 أيام توازي كل المساعدات التي تخصصها الأمم المتحدة في السنة الواحدة من أجل مساعدة الفقراء عبر العالم، كما يبلغ عدد الذين يشربون مياه ملوثة وغير صحية أكثر من 33.3%، و1.5 مليار من البشر لا يملكون مأوى حقيقيا، بل يعيش أغلبهم في بيوت قصديرية أو أكواخ مهينة لكرامة الإنسان، كما يعاني ثلث سكان العالم من عدم تمكنهم من الحصول على أدوية ولقاحات، ما ينجر عنه آلاف الوفيات يوميا، كما أن ربع أطفال العالم لا ينهون دراستهم الإعدادية بسبب الفقر وسوء التعليم وغياب الهياكل والمنشآت، وفي المقابل فإن فئة قليلة جدا من البشر تعيش حياة خيالية وفارهة، ويمكن التدليل مرة أخرى بإحصائيات الأمم المتحدة لإظهار حقيقة هذه الطائفة الجشعة، فثلاثة من أغنياء العالم يملكون ما يوازي الناتج القومي لـ 48 دولة في العالم، ويمتلك 200 ثري في حوالي نصف أموال و ثروات العالم، الأمر الذي دفع رئيس جنوب إفريقيا تابو مبيكي للتعليق على هذا الوضع بالقول:" إنّ العالم غدا جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء"، وما زاد الأمر سوءً هو ارتفاع المديونية الخارجية للدول النامية والفقيرة إلى 2038.8 بليون دولار، ما يجعل ملايير البشر ومستقبلهم تحت رحمة النظام العالمي
-أما المجال البيئي و الصحي: فإن يد الخراب العالمية قد طالت أهم عناصره، فالإنسان معرض كل فترة إلى فيروسات خطيرة وقاتلة، مصدرها المخابر السرية التي تديرها قوى الشر في العالم، فلا يمر عام إلا ويسمع العالم عن العديد من الفيروسات التي تغزو العالم، والهدف منها شفط أموال الفقراء في العالم، ومساومة دولهم لأجل شراء ملايير من الأدوية واللقاحات المضادة
كما يشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن 90% من البشر يستنشقون هواء ملوثا، يسبب أمراضا خطيرة ومزمنة لملايين الأفراد، أما تلوث المياه والبحار فإن المؤشرات تشير إلى أن هذا التلوث جعل 30 دولة في العالم حسب تقارير الأمم المتحدة تعاني من ندرة المياه، أما الاحتباس الحراري الذي بدوره يسبب احتباس التلوث على سطح الأرض، فإنه ينذر بظهور أمراض أشد فتكا، وضعفا متزايدا في المناعة، وتضر الحياة النباتية والحيوانية، أما الغلاف الجوي للأرض فقد لحق به ضرر كبير؛ بسبب الصناعات التي يديرها النظام العالمي دون مراعاة للأنظمة المناخية.
-أما على مستوى الفن: فقد شهد ميدان الفن سقوطا حرا في مستنقعات الرداءة، وصار الفن مجرد تجارة لا تراعي الأخلاق ولا القيم، بعد أن سقط في يد مرضى القلوب من مصاصي القيم النبيلة، وصارت الإباحية والانسلاخ من الفطرة السليمة أهم مظاهر الفن العالمي، كما يشهد العالم تلبس المنتجات التلفزيونية من الأفلام وحتى الرسوم المتحركة- بالعنف، وصار البشر والأطفال يفضلون مشاهدة كل ما فيه عنف، بعد أن صار الشيء الوحيد الذي يرضي مزاجهم
-أما الرياضة بشكل عام فقد دخلت ميدان المضاربة والقمار، وصارت لعبة لامتصاص جيوب الفقراء، وبدل أن تكون داعية للناس لممارسة الرياضة، فإن العالم يشهد انحصار غالبية سكان الأرض في زاوية المشاهدة، بينما يضارب كبار رجال الأعمال فيها، بعد أن جعلوا من البشر مجرد أدوات للصراخ والعراك، ومصدرا لنشر الكراهية بين الشعوب.
المسلمون وواجب إنقاذ البشرية
إن العالم في ظل النظام العالمي الحالي يسير نحو الانهيار الكبير، نحو مزيد من الحروب المدمرة، والصراعات الكبيرة، باسم المصالح الكبرى للدول الكبيرة في جشعها وتوحشها، وقد جرّب البشر العيش تحت سيطرة السوفيات الاشتراكيين والشيوعيين، وجربوا العيش اليوم تحت نظام الرأسمالية المتوحشة، بقيادة أمريكا، التي وصفها فرويد يوما بقوله" أمريكا غلطة" التي لا تعدو-الرأسمالية- أن تكون آلة تسحق كل من يقف في وجهها، وصار العالم تحت قيادتها يئن من وطأة مخرجات السياسة الأمريكية، التي أسقطت 50 حكومة وأدخلت دولها في فوضى ومصاعب، الأمر الذي يجعل المسلمين أمام واجب أخلاقي كبير، وهو إنقاذ البشرية من براثن الظلم والفساد، والحروب والخراب، ولا يتم ذلك إلا بتحقيق شروط النهضة والريادة، ووفق السنن الكونية، وصبر حضاري، وبصيرة ايمانية، وتحقيق التعاون مع عقلاء العالم وأحراره، من أجل حياة مستقرة وأكثر أمانا وحرية